الثقافة الاسلامية في الكتب المدرسية الأوروبية – بقلم الدكتور حاتم الطحاوي
نشرت في أغسطس 7, 2014 عن طريق دار عين - قسم أوربا و الإسلام دكتور حاتم الطحاوي موضوعات عامةعقد في مقر جامعة الدول العربية في القاهرة في الفترة من 12 – 14 كانون الأول ديسمبر 2004، مؤتمر دولي مهم في نطاق الحوار العربي – الأوروبي موضوعه:”صورة الثقافة العربية الاسلامية في كتب التاريخ المدرسية في أوروبا”تحت رعاية كل من ادارة حوار الحضارات بالجامعة، ومنظمة اليونسكو، والايسيسكو، ومجلس أوروبا والمعهد السويدي بالاسكندرية. تناولت محاور المؤتمر الكثير من القضايا المهمة الموجودة في كتب التاريخ المدرسية الأوروبية حول الشريعة والجهاد، وصورة النبي صلى الله عليه وسلم والمرأة وحقوق الانسان في الإسلام.
وبحسب سامية بيبرس – مديرة ادارة حوار الحضارات بجامعة الدول العربية – فإن هذا المؤتمر يعد فرصة جيدة لإتاحة الحوار بين المسؤولين عن وضع المناهج الدراسية في الدول المختلفة بهدف تلافي الصور النمطية الشائهة التي تؤدي الى ترسيخ افكار خاطئة عن بعض الشعوب، لدى الشباب والناشئة، وما يتبع ذلك من تعميق الخلافات. وعبر جوزيف هوبر المسؤول عن قسم التعليم العالي والبحوث بالمجلس الأوروبي عن رغبة الجانب الأوروبي في تنقية الكتب المدرسية لدى الطلاب الأوروبيين من الصورة الشائهة للاسلام وتعاليمه، ودعا الى خطوة مماثلة على الجانب العربي.
بينما عبر جان هانينغسون، عن احترامه الكبير للاسلام والثقافة الاسلامية، مؤكداً ان هناك وجوهاً عدة للإيمان وكذلك للتدين، منبهاً الى أن هناك خطابات اسلامية متعددة منذ عصر الخلفاء الراشدين وحتى العصر الحديث حيث محمد أركون وحسن الترابي ومهاتير محمد ومحمد شمس الدين ومقتدى الصدر. أما فوزية العشماوي بجامعة جنيف فقد لاحظت ان كتب التاريخ المدرسية في معظم دول العالم، تشيد بتاريخها، وتندد بتاريخ الآخر عمداً أو من دون عمد، وهو ما يظهر بوضوح في كتب التاريخ الأوروبية فيما يسمى بالمحورية العرقية الأوروبية Eurocentrism، ولاحظت ان كتب التاريخ هناك تصم الفاتحين المسلمين بالغزاة المتوحشين الذين يثيرون الرعب. كما وجدت ان المناهج الدراسية الأوروبية قد اهتمت بالحروب الصليبية وصورتها على أنها حروب كان الهدف الأساس منها هو تحرير بيت المقدس من أيدي”الكفار”. كما لاحظت إغفال كتب التاريخ المدرسية التنديد بوحشية الصليبيين وعدم تسامحهم مع سكان القدس، المسلمين والمسيحيين الشرقيين حينما قاموا باحتلالها عام 1099 . كما لاحظت أن أحد كتب التاريخ المدرسية في فرنسا يتناول الأحاديث النبوية الشريفة بصفتها شروحات قام بتأليفها أساتذة القانون خلال الفترة ما بين القرن السابع والقرن التاسع الميلادي!”. ودعت الى ضرورة تلافي هذا الجهل الفاضح بأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم.
بينما ركز السفير د. غونتر مولاك منسق الحوار الأوروبي بالمكتب الألماني على انه يجب ألا ينظر الأوروبيون بخوف تجاه الاسلام، وعلى أوروبا وأميركا ألا تعتبرا الاسلام هو العدو الأول لهما، لأن الإسلام يحمل الكثير من التسامح تجاه الآخر، وانه لمن الخطأ إلصاق التهم بالمسلمين على طول الخط. وانه يجب عدم وضع التيارات الاسلامية المعاصرة كلها في سلة واحدة، وحيا جهود منظمات اليونسكو والايسيسكو والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية لإلقاء الضوء على الاسلام الحقيقي، وضرورة تنقية ما علق به من نواقص في الكتب المدرسية الأوروبية. وتحدث الدكتور جعفر عبدالسلام رئيس رابطة الجامعات الاسلامية عن بعض القضايا الاسلامية التي التبست على الفكر الغربي، ومن ذلك موقف الاسلام من المرأة، وبيّن أن الاسلام منح المرأة حقوقاً لم توجد حتى الآن في التشريعات الغربية، وشرح موقف الاسلام من ميراث المرأة بصفتها غير مسؤولة عن إعالة الأسرة، ما يظل واجباً مكلفاً به الزوج فقط في الاسلام. كما تحدث عبدالرحمن بيطار الأستاذ بجامعة حلب عن آليات تعزيز الحوار بين الثقافتين العربية والأوروبية عبر مزيد من عمليات تنقية المناهج التعليمية من الأخطاء الواردة فيها. كما نبه الدكتور أحمد فؤاد أبو المجد نائب مجلس حقوق الانسان في مصر الى مسألة مهمة تتعلق بالمسألة الكامنة بين شعائر أو تعاليم أية ديانة، وتطبيق أنصارها لها، وذكر انه لم يحدث تطابق من قبل بين المبادئ النظرية للأديان والتطبيق العملي لها من البشر. ولهذا، يجب على المعسكرين الاسلامي والمسيحي مراعاة ذلك البعد التاريخي، والتماس العذر لكليهما. بينما تحدث المفكر محمد عمارة عن صورة الاسلام والمسلمين في الفكر الأوروبي مستشهداً بكتابات المستشرقين التي قدحت في الإسلام، مفسراً ذلك بأنه كان تسويغاً طبيعياً من هؤلاء المستشرقين لحركة الاستعمار والامبريالية الغربية تجاه الاسلام والمسلمين. كما استعرضت في المؤتمر أوراق عدة لأساتذة جامعة الأزهر الشريف قاموا بالاطلاع على كتب التاريخ المدرسية في أوروبا، من هؤلاء الدكتور محمد منصور رئيس قسم اللغة الألمانية الذي قدم قراءة نقدية لكتب التاريخ في النمسا، فلاحظ أنه على رغم احتفائها بالبحث في الحضارة العربية الاسلامية، وقعت في فخ السلبية عندما تحدثت عن الإسلام إذ صورته باعتباره مجموعة من التعاليم المسيحية واليهودية، تعرف عليها الرسول صلى الله عليه وسلم وصنع منها ديناً جديداً!
بينما قدم مصطفى الحلوجي قراءة عن صورة الثقافة الاسلامية في الكتب الدراسية في فرنسا، لاحظت أيضاً احتفاء المناهج بمنجزات الحضارة الاسلامية، على حساب تعاليم الإسلام وصورة النبي صلى الله عليه وسلم الذي قدم بصفته محارباً يحض على العنف، والشريعة بصفتها قانوناً جاهلياً قديماً، والجهاد بصفته حرباً مقدسة ضد الكفار المسيحيين، كما استخدم الكتاب آيات من القرآن تدعو لقتال كفار مكة باعتبارها تدعو الى القتال في شكل عام. وعرض صلاح رمضان لكتب التاريخ المدرسية في ايطاليا، فلاحظ أنها تخلط دائماً بين التاريخ السياسي للدولة الاسلامية والدين الاسلامي، وتقدم الاسلام بطريقة سلبية عبر اعتساف مفاهيم مغلوطة لأمور كالجهاد بصفته حرباً مقدسة ضد المسيحيين. بينما عرض طارق رضوان لكتب التاريخ المدرسية في اليونان، وذكر انها حاولت عرض صورة الاسلام وإبرازها في شكل منهجي وموضوعي، على رغم ايرادها بعض المفاهيم السلبية كانتشار الاسلام بحد السيف، وان الرسول صلى الله عليه وسلم كان هو البادئ بالهجوم دائماً. كما قدمت موقف الاسلام من المرأة في شكل خاطئ. وان كان ذلك لم يقلل من كون الكتاب المدرسي اليوناني به الكثير من ايجابيات حضارة المسلمين. بينما عرض عبدالمحسن العقيلي من السعودية تجربته البحثية مع فريقه لصورة العرب والمسلمين في الكتب الدراسية في بريطانيا، فلاحظ تناول مفردات الحضارة الاسلامية بايجابية، بينما بدت الصورة سلبية تماماً عند عرض موضوعات مثل الحروب الصليبية، والصراع العربي – الاسرائيلي، وكذلك الربط بين الاسلام والارهاب والجماعات المتشددة. كما تربط الكتب المدرسية الانكليزية العربي المسلم بالتخلف والانهزام والفشل والذل، واستخدمت كذلك صوراً – ومن المعلوم ان الصور غالباً ما تكون أكثر ايحاء من الكلمات بالنسبة الى التلاميذ – تصور الأسرى العرب في قبضة الجنود البريطانيين والاسرائيليين، في الوقت نفسه الذي تجنبت تقديم صور الأسرى الاسرائيليين في حرب 1973 . وفي النهاية قرر المؤتمر في توصياته ضرورة الاستمرار في انتهاج اسلوب الحوار بين الثقافات والمسؤولين عن وضع المناهج الدراسية في الدول المختلفة، وضرورة بذل المزيد من الجهود من جانب الشعوب والحكومات العربية والأوروبية، والمنظمات غير الحكومية على الجانبين من أجل نشر ثقافة احترام الهويات التي تقوم على التسامح والاعتراف بالآخر واحترام الحقوق الأساسية للرجل والمرأة والطفل من خلال تطوير النظم التعليمية.